الأحد، 8 يناير 2012

زمن منفي من التاريخ.. قبل الثورة وبعضا مما بعدها

زمن منفي من التاريخ، يتدلى الصمت حول مآقيه، يحجب عبرات العين، يكتم نشيج الصوت.

أخرجه الغطاسون صيادوا اللآلئ خطأ من غيابات البحر.

مدحه الشعراء بكلمات بعد أن استهلك الجمال كلماتهم، وكأن الكلمات ستخلق من طينه المجبول بسواد الظلام كهيئة القصيدة، أو لعلها تنفخ فيه روح معلقات العرب بعد أن سكنته روح "من ما قبل ومن ما وراء العرب".

لما افتقرت الصحراء للشجر اليابس في الشتاء، استدفأت بنار أوهامه تحت شجرة النخيل.

واحتمت بخيوطه البلهاء يمن سبأ لما عجزت عن بناء  سد يستدر ماء الحياة من السماء ويقيها سيل الموت في الأرض.

ولما تكسرت قنا الشام ورقدت سيوفها كليلة عليلة، تسلحت بقرع قعقعاته وهي تلامس جدران الهواء وخيالات الكهف.

ولما غابت النجوم والشمس والقمر، وأصبحت الأرض صعيدا واحدا لا شمال فيها ولا جنوب، حملته مصر على أكف شبابها وهي تعزف ألحان التيه، ألحان وأد الطبول وإيقاظ حفار القبور.

وقد استمزج المغرب غروب الشمس وراء بحره الأعمى، فجرى يسابقها في المغيب وهو يتمتم: "لا يهم ما في الغيب بعد المغيب".

ولا زالت بلاد السوادان في حداد أسود يناجي هذا "الزمن الأبيض" الذي استل لونه من برودة الموت وعظام الموتى.

إنه زمن منفي من التاريخ، ولكن هناك من يفنى يوما بعد يوم ليكون جزء من تاريخه، كالفراشة التي تستظل بالنار وهي بها تحترق.

هو زمن منفي من التاريخ، يسمع قرع نعال أهله وهم ينفضون عنه، وقد تدثروا بكفن أبيض وتعلو جبينهم قبضات حمراء، تنتفض لتصنع تاريخها.
Chafic Choucair

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق