الجمعة, 18 فبراير 2011
مجلة الامان - شفيق شقير
افتتح عام 2011 بثورتين احتجاجيّتين في تونس ومصر، لتعطيا إشارة واضحة أن النظام العربي القديم في انهيار، وأن بعض ملامح النظام الجديد آخذة في التكون. وهذه الدلالة، قد تفسر أهمية الممانعة الشديدة التي أظهرها النظام المصري في مواجهة التيار الاحتجاجي الجارف، وتفسر معنى الدعم العربي المعلن أو غير المعلن الذي حظي به مبارك، في فارقة أساسية تمثل محاولة من النظام العربي لاستدراك ما عجز عنه في الحالة التونسية، على أمل الحؤول دون استمرار انهيار للنظام الرسمي العربي .
وعلى وقع الحدثين التونسي والمصري، وعلى وجه الخصوص الأخير منهما، يمكن الوقوف عند بعض الملاحظات التي انتهت إليها الثورة بنسختها المصرية حتى الآن، إضافة إلى رصد بعض التداعيات المتوقع أن نلحظها بعد هاتين الثورتين، وخاصة إذا اكتملت النسخة المصرية من النموذج التغييري العربي.
ملاحظات أساسية
1- كانت مظاهرات التأييد التي وقعت في مصر للتعاطف مع الثورة التونسية، بمثابة الشرارة التي نقلت نار الثورة من تونس إلى القاهرة.
2- لجأ النظام المصري قبل سقوطه إلى الاستفادة من تكتيكات رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي ليطيل من أمد حكم مبارك على رأس مرحلة انتقالية، تمثلت بتلبية بعض المطالب مع وعود بتلبية أخرى في خطابه الثاني، على أمل إحداث الفرقة في صفوف المحتجين.
3- أضافت الحالة الرسمية المصرية أدوات جديدة لمحاربة التغيير، حيث بدت الحكومة الجديدة «حكومة حرب» وهجوم على المحتجين، وأدخلت تكتيكات جديدة على مستوى مواجهة الشارع، من خلال «مظاهرات أمنية» مضادة لم نجدها في الحالة التونسية.
4- إن نجاح قدرة المحتجين على حشد تجمعات مليونية كان أمراً حاسماً في إسقاط النظام، وإن محاولة إطالة عمر النظام بتجاهل ما يحدث على الأرض زادت من الضغط الدولي وخاصة الأميركي على النظام المصري، خوفاً من أن يتحول الغضب الشعبي بعد سقوط النظام إلى غضب على الخارج المتواطئ لإطالة عمر حكم الدكتاتور.
تداعيات ثورة الشارع
1- يؤكد الاستدراك الذي حصل في النموذج المصري، أنه ليس من المستبعد أن تلجأ بعض الأنظمة العربية للشارع وتعبئته لصالحها في إجراء وقائي، أو أن تعقد تحالفات مع بعض طبقاته لتحول دون انتظامه تحت مطالب موحدة. مع العلم أن معظم الأنظمة العربية في بدء مرحلة العولمة كانت قد تحالفت مع رجال الأعمال فقط دون بقية الشرائح.
2- كان شعار الانتفاضات التي قامت حتى الآن هو، رفض الدكتاتورية، والاحتجاج على الفقر وفشل التنمية، وعلى تحكم أو احتكار طبقة محدودة أو عائلية لمعظم مقدرات البلاد. وهذه الصفات تتوافر في مجموعة أخرى من الأنظمة العربية قد تكون مرشحة لاهتزازات مستقبلية، وليس بالضرورة أن تكون مشابهة لتلك التي حصلت في تونس ومصر، وذلك لاختلاف طبيعة الحكم وطبيعة المكون الاجتماعي لشعوبها، ولن يكون هناك فرق بين الدول الممانعة للغرب وإسرائيل من سواها.
3- سنشهد انخراطاً لأنظمة الحكم العربية التقليدية المأزومة من جهة والمتظلمين منها من جهة أخرى، في مقاربة الحدث التونسي والمصري، بالمقايسة والمناظرة للاستفادة منه أو ترقب عدواه. وعليه سيكون الحد من وسائل الاتصال، والإفراط في الأنفاق على مراقبة شبكات الاتصال بكل أنواعها أحد التداعيات العاجلة لهذه التطورات التي أطاحت النظامين التونسي والمصري.
4- الدور الذي أدته قناة الجزيرة في نقل تطلعات الشعوب العربية وتظلماتها، قد يضعها في المستقبل القريب تحت مجهر أكثر حرفية في كيده، وقد يصبح ترصّد أخطائها وسواها من المؤسسات الإعلامية أو النيل من مصداقيتها أو الحد من حركتها، أحد الأهداف الموضوعة على لائحة عدد من الدول العربية والقوى الدولية الحليفة لها.
5- مهما كانت نتيجة الاحتجاجات في مصر فقد استقر نمط جديد من التغيير، عمدته الشعب والشباب، ووسيلته التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال الاجتماعي وولادة إعلام المواطنين الذي يعبر عن هموم الناس دون وساطة وسائل الإعلام ذات القوالب التقليدية.
6- ستحظى الأحزاب العربية المعارضة باحترام واعتبار لم يكن لها من قبل،لأن غياب الحياة الحزبية أو ضعف فعاليتها في المرحلة السابقة، ترك الشارع عرضة للاشتعال بما لا يمكن ضبطه بسهولة، حيث إن أهدافه تكبر ككتلة الثلج مع تزايد المحتجين، كما لا إمكانية للتفاهم معه على أنصاف حلول أو على حلول مركبة. فهذا النوع من الثورات يطالب مباشرة برحيل رأس النظام وتغيير النظام برمته، وليس بمجرد الإصلاح.
7- ستعطي هذه الثورات، سواء استمرت أو تعثرت، مكانة خاصة للشباب في المجتمع العربي، وهم لم يعطوا مكانة متقدمة في الحياة السياسية العربية، ولا في الحياة الاجتماعية.
8- إذا نجح هذا النموذج العربي في التغيير، سيعطي رسالة جديدة للجمهور العربي، أن التغيير السلمي حلم قابل للتحقق. وبالمقابل، فإن من الممكن أن نشهد تراجعاً لبريق ظاهرة «القاعدة» وأساليبها العنيفة في التغيير.
9- إن التغير الذي ستشهده مصر، سيترك أثراً واسعاً على المشهد السياسي في أكثر من منطقة، وقد يفتتح عهداً جديداً منقطعاً عما قبله من التدوين والتحليل، سواء على الصعيد المحلي أو العربي أو الإقليمي أو الدولي. وهذه النقطة هي المحور الأساسي الذي سيفرض نفسه على مراكز الدراسات وأصحاب الرأي.
10- دولياً، ستعمل الولايات المتحدة بعد الدرس التونسي والمصري، على إعداد آليات نمطية في التعامل مع مثل هذه الثورات، وقد تستفيد من أمثالها إذا ما اندلعت في بعض البلدان المسماة «بالممانعة» وعلى رأسها سوريا وإيران.
مجلة الامان - شفيق شقير
افتتح عام 2011 بثورتين احتجاجيّتين في تونس ومصر، لتعطيا إشارة واضحة أن النظام العربي القديم في انهيار، وأن بعض ملامح النظام الجديد آخذة في التكون. وهذه الدلالة، قد تفسر أهمية الممانعة الشديدة التي أظهرها النظام المصري في مواجهة التيار الاحتجاجي الجارف، وتفسر معنى الدعم العربي المعلن أو غير المعلن الذي حظي به مبارك، في فارقة أساسية تمثل محاولة من النظام العربي لاستدراك ما عجز عنه في الحالة التونسية، على أمل الحؤول دون استمرار انهيار للنظام الرسمي العربي .
وعلى وقع الحدثين التونسي والمصري، وعلى وجه الخصوص الأخير منهما، يمكن الوقوف عند بعض الملاحظات التي انتهت إليها الثورة بنسختها المصرية حتى الآن، إضافة إلى رصد بعض التداعيات المتوقع أن نلحظها بعد هاتين الثورتين، وخاصة إذا اكتملت النسخة المصرية من النموذج التغييري العربي.
ملاحظات أساسية
1- كانت مظاهرات التأييد التي وقعت في مصر للتعاطف مع الثورة التونسية، بمثابة الشرارة التي نقلت نار الثورة من تونس إلى القاهرة.
2- لجأ النظام المصري قبل سقوطه إلى الاستفادة من تكتيكات رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي ليطيل من أمد حكم مبارك على رأس مرحلة انتقالية، تمثلت بتلبية بعض المطالب مع وعود بتلبية أخرى في خطابه الثاني، على أمل إحداث الفرقة في صفوف المحتجين.
3- أضافت الحالة الرسمية المصرية أدوات جديدة لمحاربة التغيير، حيث بدت الحكومة الجديدة «حكومة حرب» وهجوم على المحتجين، وأدخلت تكتيكات جديدة على مستوى مواجهة الشارع، من خلال «مظاهرات أمنية» مضادة لم نجدها في الحالة التونسية.
4- إن نجاح قدرة المحتجين على حشد تجمعات مليونية كان أمراً حاسماً في إسقاط النظام، وإن محاولة إطالة عمر النظام بتجاهل ما يحدث على الأرض زادت من الضغط الدولي وخاصة الأميركي على النظام المصري، خوفاً من أن يتحول الغضب الشعبي بعد سقوط النظام إلى غضب على الخارج المتواطئ لإطالة عمر حكم الدكتاتور.
تداعيات ثورة الشارع
1- يؤكد الاستدراك الذي حصل في النموذج المصري، أنه ليس من المستبعد أن تلجأ بعض الأنظمة العربية للشارع وتعبئته لصالحها في إجراء وقائي، أو أن تعقد تحالفات مع بعض طبقاته لتحول دون انتظامه تحت مطالب موحدة. مع العلم أن معظم الأنظمة العربية في بدء مرحلة العولمة كانت قد تحالفت مع رجال الأعمال فقط دون بقية الشرائح.
2- كان شعار الانتفاضات التي قامت حتى الآن هو، رفض الدكتاتورية، والاحتجاج على الفقر وفشل التنمية، وعلى تحكم أو احتكار طبقة محدودة أو عائلية لمعظم مقدرات البلاد. وهذه الصفات تتوافر في مجموعة أخرى من الأنظمة العربية قد تكون مرشحة لاهتزازات مستقبلية، وليس بالضرورة أن تكون مشابهة لتلك التي حصلت في تونس ومصر، وذلك لاختلاف طبيعة الحكم وطبيعة المكون الاجتماعي لشعوبها، ولن يكون هناك فرق بين الدول الممانعة للغرب وإسرائيل من سواها.
3- سنشهد انخراطاً لأنظمة الحكم العربية التقليدية المأزومة من جهة والمتظلمين منها من جهة أخرى، في مقاربة الحدث التونسي والمصري، بالمقايسة والمناظرة للاستفادة منه أو ترقب عدواه. وعليه سيكون الحد من وسائل الاتصال، والإفراط في الأنفاق على مراقبة شبكات الاتصال بكل أنواعها أحد التداعيات العاجلة لهذه التطورات التي أطاحت النظامين التونسي والمصري.
4- الدور الذي أدته قناة الجزيرة في نقل تطلعات الشعوب العربية وتظلماتها، قد يضعها في المستقبل القريب تحت مجهر أكثر حرفية في كيده، وقد يصبح ترصّد أخطائها وسواها من المؤسسات الإعلامية أو النيل من مصداقيتها أو الحد من حركتها، أحد الأهداف الموضوعة على لائحة عدد من الدول العربية والقوى الدولية الحليفة لها.
5- مهما كانت نتيجة الاحتجاجات في مصر فقد استقر نمط جديد من التغيير، عمدته الشعب والشباب، ووسيلته التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال الاجتماعي وولادة إعلام المواطنين الذي يعبر عن هموم الناس دون وساطة وسائل الإعلام ذات القوالب التقليدية.
6- ستحظى الأحزاب العربية المعارضة باحترام واعتبار لم يكن لها من قبل،لأن غياب الحياة الحزبية أو ضعف فعاليتها في المرحلة السابقة، ترك الشارع عرضة للاشتعال بما لا يمكن ضبطه بسهولة، حيث إن أهدافه تكبر ككتلة الثلج مع تزايد المحتجين، كما لا إمكانية للتفاهم معه على أنصاف حلول أو على حلول مركبة. فهذا النوع من الثورات يطالب مباشرة برحيل رأس النظام وتغيير النظام برمته، وليس بمجرد الإصلاح.
7- ستعطي هذه الثورات، سواء استمرت أو تعثرت، مكانة خاصة للشباب في المجتمع العربي، وهم لم يعطوا مكانة متقدمة في الحياة السياسية العربية، ولا في الحياة الاجتماعية.
8- إذا نجح هذا النموذج العربي في التغيير، سيعطي رسالة جديدة للجمهور العربي، أن التغيير السلمي حلم قابل للتحقق. وبالمقابل، فإن من الممكن أن نشهد تراجعاً لبريق ظاهرة «القاعدة» وأساليبها العنيفة في التغيير.
9- إن التغير الذي ستشهده مصر، سيترك أثراً واسعاً على المشهد السياسي في أكثر من منطقة، وقد يفتتح عهداً جديداً منقطعاً عما قبله من التدوين والتحليل، سواء على الصعيد المحلي أو العربي أو الإقليمي أو الدولي. وهذه النقطة هي المحور الأساسي الذي سيفرض نفسه على مراكز الدراسات وأصحاب الرأي.
10- دولياً، ستعمل الولايات المتحدة بعد الدرس التونسي والمصري، على إعداد آليات نمطية في التعامل مع مثل هذه الثورات، وقد تستفيد من أمثالها إذا ما اندلعت في بعض البلدان المسماة «بالممانعة» وعلى رأسها سوريا وإيران.